السلام عليكم
لقد تم إسقاط هذا الخطاب في العيادة الخارجية لمستشفى تعليمي كبير وعلى الرغم من أن هوية الكاتب مجهولة إلا أن محتوى الخطاب له صلة وثيقة بكل من يعملون في الرعاية الصحية.
..
إلى كل عضو يعمل في هذا المرفق :
بينما تقع يدكم على تلك الورقة وعندما تمعنون النظر في تلك البطاقات الطبية الخضراء أتمنى أن تتذكروا ما أنا مقبل على قوله.
لقد قضيت يوم أمس معكم ، كنت مع والدي ولم نكن نعرف أين يجب أن نذهب، أو ما يجب علينا القيام به، لأننا لم يسبق لنا أن كنا في حاجة إلى خدماتكم من قبل.
كنت أشاهد كل شي باﻷمس وذلك عندما أصبح والدي مجرد حالة للتشخيص أو اسما في جدول أو رقم حالة أو مجرد حالة تطلب العون الخيري وذلك لعدم وجود تأمين صحي لها.
لقد رأيت رجلا ضعيفا يقف في طابور ، ظل ينتظر لمدة خمس ساعات لكي يتم إدخاله عبر نظام مكون من عاملين للمكاتب عديمي الصبر، عديمي الاحتمال، وهيئة تمريضية مكرهة على العمل، ومرفق قليل الميزانية وقد امتُهن ما بقي له من كرامة وكبرياء. ولقد أدهشني ما كانت عليه الهيئة من اللامبالاة والتحيز وعدم التأثر بالشعور الشخصي، لقد كانوا يعاملون الناس بطريقة سيئة وهم متزمرون وخاصة عندما لا يقدم المريض اﻷوراق الصحيحة، وكانوا يتحدثون بلا مبالاة عن حالات المرضى اﻵخرين أمام المارة، أو يتحدثون عن فترات الغداء التي يمكن أن يقضوها بعيدًا عن "جحيم الفقراء" ..!!
إن والدي ليس إلا بطاقة خضراء أو مجرد ملف على مكتبكم تحددون به موعد مقابلة الطبيب. إنه المريض الذي يجب أن يسأل عن الاتجاه الذي يذهب فيه مرتين لكي يحصل على إجابة منكم. لا يستحق أبي منكم مثل هذه المعاملة، فهذه الطريقة التي ترونه بها لا تليق به أبدًا.
أما الشيء الذي لا ترونه فهو أن هذا اﻹنسان يعمل نجارًا للأثاث الراقي منذ سن الرابعة عشر، وأنه إنسان عصامي وله زوجة رائعة وأربعة أولاد كبار "يزورونه كثيرًا"، وخمسة أحفاد و"اثنين في الطريق" وكلهم يعتقدون أن أباهم هو أعظم إنسان، هذا اﻹنسان هو أب كما ينبغي أن يكون عليه اﻷب فهو قوي وحازم ومع ذلك رقيق، قد يبدو خشن المظهر لأنه ريفي إلا أنه ينال كل احترام أصحاب الأعمال البارزين.
إنه والدي الذي رباني وعلمني رغم كل الظروف، وحمل أطفالي عند ولادتهم، وهو الذي كان يساعدني ويدعمني في الظروف الصعبة، ويجفف دموعي عندما أبكي. واﻵن علمنا أن السرطان سوف يأخذ منا ذلك اﻹنسان قريبًا.
قد تقولون أنها مجرد كلمات لابنة حزينة مندفعة في حالة يأس من خطر فقدان من تحب. أنا لا أختلف معكم، إلا أنني أحثكم على ألا تسقطوا من حسابكم ما أقول، لا يجب أن تبعدوا عن نظركم أولئك الناس ممن هم خلف اﻷوراق. إن كل ورقة تمثل إنسان له مشاعر وتاريخ وحياة. إنكم تمتلكون القدرة على أن تؤثروا فيه ليوم واحد بكلامكم وأفعالكم، وغدًا قد تكون هذه الورقة لأحد أحبائكم أو قريب أو جار لكم، الذي يتحول أمامكم إلى رقم حالة، أو بطاقة خضراء، أو أي اسم يمكن شطبه بقلم أصفر كما حدث اليوم.
إنني أدعوكم ﻷن تعاملوا المريض التالي الذي سوف يأتيكم بود، وتحيوه بكلمة طيبة أو بابتسامة رحيمة، ﻷن هذا الشخص قد يكون والد أحدكم أو زوجته، أو زوج أحداكن، أو أم أو ابن أو ابنة أو ﻷنه إنسان خلقه الله وأحبه مثلكم.
نقلته لكم من كتاب "شوربة دجاج للحياة 2"